عيشها صح

فهي فرصة واحدة غالية
ومحطة الخلود إما جنة وإما نار لا ثالث لهما
فيا ترى هنعيشها وخلاص, وللا هنعيشها صح؟

بقلم: د. فتحي مرعي
جريدة الأهرام - قضايا و اراء - العدد 43132

**‏ الضعف من ألد أعداء الإنسان.. وهو الذي يحبط ما عزم عليه الأمر من قبل. يعزم المرء علي أن يتخلص من العصبية التي تلازم تصرفاته, وأن يعالج أموره في هدوء وروية وتسامح, فإذا تعرض لموقف يتطلب ذلك ضعف واستسلم لعادته القديمة, واحتد وعلا صوته وغلظت الألفاظ التي تخرج من فمه.

يعزم الواحد من الناس أن يستيقظ مبكرا حتي لا يتأخر عن عمله, وحتي لا يضيع منه يومه هدرا.. يعزم علي أن يفعل ذلك ابتداء من صباح الغد.. فإذا جاء صباح الغد(!) كره النهوض من الفراش وأسكت المنبه وعاد للنوم يغط فيه!! يعزم الشخص علي ألا يفرط في تناول الطعام, وأن يكتفي منه بما دون الشبع, أي يقوم عن مائدة الطعام بمجرد إحساسه ببدايات الشبع ولا يدخل فيه(!) وهو يلوم نفسه ويوبخها علي ما فات, وأنه لم يكن يحكم السيطرة علي نفسه, الأمر الذي أدي إلي نتائج غير مرغوب فيها,

يعقد الواحد من الناس العزم علي ألا يلجأ إلي الكذب منذ الآن, بعد أن وضع نفسه في مواقف غير مستحبة بسبب الكذب الذي انكشف, الأمر الذي أحرجه وأفقده مصداقيته في محيط الأسرة وخارجها, وتكررت هذه المواقف حتي أصبح معروفا بالكذب للجميع, لا يصدقه أحد فيما يرويه ولو كان صادقا, عز ذلك علي نفسه وعاهدها علي أن يسترجع الثقة المفقودة تدريجيا بعدم اللجوء للكذب مرة أخري, ثم لا يلبث أن يواجه موقفا فيلوذ بالكذب دون أن يطرف له جفن(!)

ما الذي يحدث حين لا يصمد الواحد من الناس أمام الممارسة التي كان قد عاهد نفسه علي أن يبطلها منذ الآن؟! الذي يحدث هو أن الإنسان يضعف لدي مواجهة الموقف. يستسلم.. ويرضخ لرغبات نفسه وما تمليه عليه وقتها. ينسي الواحد أن المحك هو مواجهة الموقف.. وأن هذا هو مربط الفرس( كما يقولون), أما ما يسبق ذلك مما يعاهد الإنسان نفسه عليه, فمرهون بصلابته في إنفاذ ما عاهد نفسه عليه.

هذا ينبغي أن يكون واضحا مقدما لكل من يعاهد نفسه علي شيء معين, يأتيه أو يمتنع عن إتيانه.. ويسأل نفسه: هل أستطيع أن أوفي بما عاهدت نفسي عليه؟! أم أنني سأضعف وأستسلم وألحس تلك العهود وأتراجع عنها حين أواجه الموقف الذي أنا بصدده؟ وقد ضرب الله لنا مثلا بعدم الالتزام ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين, فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون( التوبة:75 ـ76),

العبرة ليست بالعهود التي نقطعها علي أنفسنا, ولكن العبرة هي حين نواجه أنفسنا علي المحك, ألا وهو وقت التنفيذ, وهذا ما ينعيه رب العزة علي من يقولون ما لا يفعلون: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون, كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون( الصف2 ـ3).

ينبغي علي الإنسان أن يكون علي بينة من نفسه قبل مواجهة الموقف الذي سيتعين عليه مواجهته, ويسأل نفسه: هل سأصمد في حينه؟؟ أم سأضعف وأتراجع عما عاهدت الله أو عاهدت نفسي عليه؟! أنا لا أقول ولا أدعي أن الواحد منا إذا أضمر شيئا أو عاهد نفسه علي شيء, أنه سينجح من أول محاولة, ولكن ينبغي إذا فشلت محاولته الأولي أن يعي الدرس وأن يسائل نفسه بعدها لما فشلت؟ وكيف أنجح في المرة المقبلة؟ وألا يجعل الفشل ـ مهما تكرر ـ ذريعة للتحلل مما كان قد عاهد نفسه عليه, بل ينبغي أن يزيده الفشل تصميما علي النجاح, موقنا بأن المحاولة جديرة بأن نعطيها فرصة النجاح في المرة التالية. وعلي الإنسان وهو بصدد شيء كهذا أن يقول لنفسه: لا تضعف! فأعتقد أن هذه هي كلمة السر في النجاح في أي محاولة من هذا القبيل, وأن يكررها الإنسان بين حين وحين, لا تضعف! فلعل ذلك أن يقوي عزيمته ويشحذها, مثلما يأخذ الواحد مصلا ليحفز جهاز المناعة لديه علي مواجهة الخطر الذي يمكن أن يتعرض له, فهذه الكلمة قد يكون لها فعل السحر في شحذ عزائمنا لدي مواجهة الموقف الذي سنمر به لا محالة. وكل منا أدري بالمواقف التي ينبغي أن يتقوي فيها بهذا الشعار, وذلك
حتي نصبح بالفعل أقوياء أسوياء, نملك زمام أمورنا ولا نضعف أو نستسلم إزاءها, فحياتنا معركة متصلة الحلقات ينبغي أن ننتصر فيها علي أنفسنا وإلا هلكنا في الدنيا والأخرة.‏ 

1 تعليقات:

Hosam Aly يقول...

إرسال تعليق